البيان والتحقيق عن رواية ابن عباس حول قضية بني الجان قبل خلق آدم

أ‌.     مجموعة الرواية عن ابن عباس حول قضية بني الجان قبل خلق آدم.

كما عرفنا أن الرواية عن ابن عباس كثيرة جدا، بل في التفسير روي عنه ما لا يحصى كثرة.[1] منها الرواية التى تتعلق باللغويات، ومنها بالغيبيات أوالسمعيات وإلى غير ذالك. فالآن، سيقوم الباحث في هذه الرسالة القصيرة منقلا ومحققا لبعض الروايات عن وجود الخليفة في الأرض قبل نبينا آدم عليه الصلاة والسلام التى تسمى ببني الجآن. وقيل بعضها قد رويت عن ابن عباس. فهؤلاء الروايات كما يلي :

1. قال ابن جرير الطبري حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال "أول من سكن الأرض الجنُّ، فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا". قال "فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال. ثم خلق آدم وأسكنه إياها، فلذلك قال إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً".[2]  

2. ونقل الإمام ابن كثير في تفسيره الرواية من ابن جرير الطبري بنفس السند.[3]

3. قال عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني ثنا إسماعيل بن قتيبة ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد قال الله تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء" وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض و سفكوا الدماء فلما قال الله "إني جاعل في الأرض خليفة" قالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء" يعنون الجن بني الجان. فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، قال فقالت الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها"  كما فعل أولئك الجن بنو الجان. قال فقال الله "إني أعلم ما لا تعلمون".[4]

4. ونقل الإمام جلال الدين السيوطي في تفسيره الرواية عن الإمام الحاكم بنفس السند.[5]

ب‌.                      أشهر الطرق عن ابن عباس.

بعد أن جمع الباحث هذه الرواية، فيواصل هذا البحث في تحقيق هذه الرواية بالنظر إلى سندها وأثبت هل هي صحيحة أم ضعيفة. فقال الدكتور محمد حسين الذهبي أن لابن عباس الروايات المشهورة ولكل واحدة منها حكم كما يلي :

1.  طريق معاوية بن صالح، عن علىّ بن أبى طلحة، عن ابن عباس، وهذه هى أجود الطرق عنه.[6]

2.  طريق قيس بن مسلم الكوفى، عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس. وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين، وكثيراً ما يُخَرِّج منها الفريابى والحاكم فى مستدركه.[7]

3.  طريق ابن إسحاق صاحب السير، عن محمد بن أبى محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهى طريق جيدة وإسنادها حسن، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبى حاتم كثيراً، وأخرج الطبرانى منها فى معجمه الكبير.

4.  طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير، تارة عن أبى مالك، وتارة عن أبى صالح عن ابن عباس. وإسماعيل السدى مُختلَف فيه، وحديثه عند مسلم وأهل السنن الأربعة، وهو تابعى شيعى.

5.  طريق عبد الملك بن جريج، عن ابن عباس، وهى تحتاج إلى دقة فى البحث، ليُعرف الصحيح منها والسقيم.

6.  طريق الضحاك بن مزاحم الهلالى عن ابن عباس، وهى غير مرضية، لأنه وإن وَثَّه نفر فطريقه إلى ابن عباس منقطعة، لأنه روى عنه ولم يلقه، فإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة، عن أبى روق، عن الضحَّاك، فضعيفه لضعف بشر، وقد أخرج من هذه النسخة كثيراً ابن جرير وابن أبى حاتم.

7.  طريق عطية العوفى، عن ابن عباس، وهى غير مرضية، لأن عطية ضعيف ليس بواه، وربما حَسَّن له الترمذى. وهذه الطريق قد أخرج منها ابن جرير، وابن أبى حاتم كثيراً.

8.  طريق مقاتل بن سليمان الأزدى الخراسانى، وهو المفسِّر الذى يُنسب إلى الشافعى أنه قال فيه: "إن الناس عيال عليه فى التفسير" ومع ذلك فقد ضَعَّفوه، وقالوا إنه يروى عن مجاهد وعن الضحاك ولم يسمع منهما.

9.  طريق محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس، وهذه أو هى الطرق.

ت‌.                      الخلاصة والنتيجة.

بناء على هذا السند المشهور من ابن عباس، فأثبت الباحث أن :

·      رواية ابن جرير الطبري بطريق أبو كُرَيْب، عن عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس هي غير مرضية، لأنه وإن وَثَّه نفر فطريقه إلى ابن عباس منقطعة، لأنه روى عنه ولم يلقه. فإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة، عن أبى روق، عن الضحَّاك، فضعيفه لضعف بشر. وقد أخرج من هذه النسخة كثيراً ابن جرير وابن أبى حاتم. وإن كان من رواية جويبر عن الضحاك فأشد ضعفاً، لأن جويبر شديد الضعف متروك، ولم يُخَرِّج ابن جرير ولا ابن أبى حاتم من هذه الطريق شيئاً، إنما خرَّجها ابن مردويه، وأبو الشيخ بن حبان.

·      رواية الإمام الحاكم بطريق عبد الله بن موسى الصيدلاني، عن إسماعيل بن قتيبة، عن أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكير، عن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس هي صحيح الإسناد عند الحاكم ولكن الإمام البخاري ومسلم لم يخرجاها. وتعليق الذهبي في التلخيص أنها صحيحة.[8] والله أعلم بالصواب والخطاء.

---

[1] . محمد حسين الذهبى، التفسير والمفسرون، (القاهرة: دار الحديث، د. ط، 1426 هـ)، ج 1، ص 71.

[2] . أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن، (القاهرة: دار السلام، الطبعة الرابعة، 1430 هـ)، ج 1، ص 299.

[3] . أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، (القاهرة: دار العقيدة، الطبعة الأولى، 1429 هـ)، ج 1، ص 161.

[4] . محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى ، 1411 هـ)، ح 2، ص 287.

[5] . عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، الدر المنثور، (بيروت: دار الفكر، د. ط، 1993 مـ)، ج 1، ص 111.

[6] . محمد حسين الذهبى، التفسير والمفسرون،  ج 1، ص 71.

[7] . المرجع السابق.

[8] . الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 287.